تصريح وزارة التنمية الاجتماعية الحديث-القديم بأن هناك تقصيرا من قبل الأسر في زيارة أبنائها المنتفعين بدور الرعاية الاجتماعية، وأن هناك أسرا تتهرب من تحمل مسؤولياتها اتجاههم، يبدو أنه تفاقم باعتراف الوزارة بعدم رعايتهم صحياً ووضع اللائمة على تدهور حالتهم الصحية على ذويهم فقد ورد على لسان الناطق الإعلامي للوزارة بتاريخ ١٣-١١-٢٠١٦ ما يلي: "…ان هناك حالات من ذوي الإعاقة مصابون بأمراض مزمنة يلتحقون بمراكز حكومية تتهرب أسرهم من مسؤولياتها في حال احتياجهم لإجراء عمليات جراحية والتي تتطلب موافقة خطية من قبل أسرهم مما يعرض حياتهم للخطر…" (الرابط)
ما ورد هو اعتراف صريح بالإخفاق في أبسط مبادئ الرعاية الاجتماعية لحقوق ذوي الاعاقة وخاصة الأطفال منهم، ويشكل انتهاكا صارخا لحقهم بالحياة، لأن "السلطان ولي من لا ولي له"، وقد أتاح قانون الأحداث الأردني تحقيق ذلك بإصدار أمر حماية عاجل لتصبح الوزارة قادرة على الموافقة على الإجراءات الطبية حتى وان كان داعي دخوله المؤسسة "الرعاية اجتماعية" وليس "الحماية الاجتماعية"، واستغرب كيف تترك الوزارة طفلاً ذو إعاقة يحتاج لعملية جراحية في خطر يهدد حياته بالموت إذا لم يعثر على ولي أمره الشرعي، كما وان أخلاقيات مهنة الطب والقانون يسمح بالتدخل في حالات الضرورة الماسة حفاظا على الحياة حتى وان لم تتوفر موافقة ولي الأمر.
لم يرد في تصريحات وزير التنمية الاجتماعية وفي تصريحات الناطق باسم وزارته أي إشارة لدور الوزارة في تحمّل مسؤولياتها إتجاه أهالي الاشخاص ذوي الإعاقة عدا دعوتهم للغداء والرحلات والحفلات، وكأن هذه الأنشطة ستحجب إخفاق وزارة التنمية في تحمل مسؤوليتها نحو ذوي الإعاقة وأهاليهم التي نص عليها الدستور الاردني والقانون والإتفاقيات الدولية.
الجهة الأساس والمرجعية في تحمل مسؤولية رعاية ذوي الإعاقة وأهاليهم هي الدولة فلقد ورد في الفقرة 5 من المادة 23 من اتفاقية الاشخاص ذوي الاعاقة: "تتعهد الدول الأطراف في حالة عدم قدرة الأسرة المباشرة لطفل ذي إعاقة على رعايته بأن تبذل قصارى جهودها لتوفير رعاية بديلة له داخل أسرته الكبرى، وإن لم يتيسر ذلك فداخل المجتمع المحلي وفي جو أسري".
على الرغم من عدة دراسات وأطر واستراتيجيات، لا زالت وزارة التنمية عاجزة عن تحمل مسؤوليتهما اتجاه ذوي الإعاقة بخصوص تطبيق نص المادة أعلاه وخاصة من ناحية الوصول إلى كل شخص منهم وفي كل أماكن تواجدهم، ودعم أسرهم.
مسؤولية الحكومة نحو ذوي الاعاقة، هنا أكرر إيضاح ما تم إيضاحه قبل حوالي عام ونصف:
بمرجعية الدستور الأردني واتفاقيات حقوق الإنسان تكون رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة من مسؤولية الحكومة أولا وأخيرا، واي دعم تقدمه الحكومة لتمكين الأسر لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة تشكر عليه الا أنه واجب قانوني والحكومة ملزمة به، إن كان بتوفير التشخيص المبكر والتأهيل والعلاج الطبي أو بتوفير الدعم الاقتصادي للأسرة او إذكاء وعي هذه الأسر. وإن التنصل الحكومي من الالتزام بحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، كما اوجب الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية، ووضع اللوم والتقصير على الأسرة هو أمر مُستنكَر ويدعو للحيرة وقد حذرنا منه سابقا وها هو يتكرر ونعاود التحذير.
1) نصت الفقرة الخامسة من المادة السادسة من الدستور الاردني " يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال"
2) نصت المادة 23 من إتفاقية حقوق الطفل على: "تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع. وتعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة"
ما يلي نصوص اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة المتعلقة بأسرهم:
3) المادة(خ) من الديباجة: واقتناعا منها بأن الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع وأنها تستحق الحماية من جانب المجتمع والدولة، وأن الأشخاص ذوي الإعاقة وأفراد أسرهم ينبغي أن يحصلوا على الحماية والمساعدة اللازمة لتمكين الأسر من المساهمة في التمتع الكامل على قدم المساواة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛
4) المادة 8: تتعهد الدول الأطراف باعتماد تدابير فورية وفعالة وملائمة من اجل إذكاء الوعي في المجتمع بأسره بشأن الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك على مستوى الأسرة، وتعزيز احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وكرامتهم.
5) المادة 23: الفقرة 3: تكفل الدول الأطراف للأطفال ذوي الإعاقة حقوقا متساوية فيما يتعلق بالحياة الأسرية. وبُغية إعمال هذا الحق ومنع إخفاء الأطفال ذوي الإعاقة وهجرهم وإهمالهم وعزلهم، تتعهد الدول الأطراف بأن توفر، في مرحلة مبكرة، معلومات وخدمات ومساعدات شاملة للأطفال ذوي الإعاقة ولأسرهم.
6) الفقرة 5 من نفس المادة 23: تتعهد الدول الأطراف في حالة عدم قدرة الأسرة المباشرة لطفل ذي إعاقة على رعايته بأن تبذل قصارى جهودها لتوفير رعاية بديلة له داخل أسرته الكبرى، وإن لم يتيسر ذلك فداخل المجتمع المحلي وفي جو أسري.
توقعت أن تعلن وزارة التنمية الاجتماعية قائمة بجذور وأسباب الإعاقة في الأردن وبرامجها في مجال الوقاية الاولية وفي مجال برامج التوعية المجتمعية، ولا تكتفي بوضع اللائمة عن تردي اوضاع ذوي الاعاقة على تقصير وتهرب الأسر من رعاية أفرادها ذوي الإعاقة، لان الرحلات الحفلات ودعوات الغداء ليست بديلا عن هذه البرامج.
إن قياس جودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الاعاقة تعتمد على معايير معروفة لنوعية الحياة التي يعيشها الأشخاص ذوي الإعاقة وهي ما يلي:
1) الوضع السريري الطبي-النفسي الراهن للأشخاص ذوي الاعاقة ومعايير خدمات العلاج والتأهيل المقدمة لهم.
2) معايير البيئة الحالية التي يسكن بها الاشخاص ذوي الاعاقة.
3) رضى أقارب وأسرة الاشخاص ذوي الاعاقة.
4) سهولة النفاذ للخدمات الصحية والنفسية والتأهيلية القياسية المناسبة لحالة كل منهم وفي كافة أماكن تواجدهم.
5) ضمان ان الخدمات المقدمة تلبي الاحتياجات الخاصة لهم.
خدمات وزارة التنمية الاجتماعية لذوي الإعاقة تخلو من أغلب المعايير المشار اليها اعلاه ووضع اللائمة على الأسر هو إخفاق يتكرر في محاولة لإخفاء إخفاق الوزارة بالحفاظ على أبسط حقوقهم، أما وإن تصل الوزراة لتركهم عرضة للمرض والموت بسبب عدم العثور على أهاليهم فإن هذا يشكل انتهاكا صارخا لحقهم بالصحة والحياة.
الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال
Comments