المفهوم العام لحقوق المريض يندرج في ثلاث إتجاهات رئيسية وهي حقوق المريض على الدولة كضامنة لحقوق الإنسان لجميع مواطنيها، وحقوق المريض على مؤسسة التأمين الصحي المعنية بعلاجه، وحقوق المريض على الطبيب الذي يقدم له العلاج مباشرة.
حقوق المريض على الدولة وعلى المؤسسة المؤمن لديها هي عبارة عن حقه بسهولة النفاذ لخدمات رعاية صحية وقائية وعلاجية جيدة، بما في ذلك حقه بسهولة الوصول والنفاذ لخدمات الرعاية الصحية الطارئة، وحق المريض في أختيار مقدمي الرعاية الصحية له، وحق المريض بسهولة التحويل لخدمات الرعاية الصحيةالمتخصصة والمتقدمة، وحقه بالحصول على خدمات الرعاية الصحية المستمرة في مختلف المؤسسات الصحية دون أي إنقطاع، وحقه بقبول أو رفض المشاركة فيالأبحاث الطبية والتدريس من خلال الرعاية الصحية المقدمة له، وحق المريض في الحصول على العقاقير الطبية الموصوفة له بسهولة ويسر، وحقه بالحصول على خدمات الرعاية الصحية في كافة المحافظات، وحقه بمعرفة القوانيين والقواعد والسياسات المتعلقه بالتأمين الصحي وإجراءات علاجه، وحقه بمعرفة تفاصيلتكاليف علاجه.
أما حقوق المريض على الطبيب فتتمثل في حقه أن يعامل بإحترام دون المساس بكرامته، وحقه بإتخاذ القرارات المتعلقه بالإجراءات التشخيصية والعلاجية والموافقة المتبصرة عليها بما في ذلك القرارات المتعلقه في نهاية الحياة، وحقه بالحفاظ على السرية في جميع مراحل العلاج بما في ذلك سرية المعلومات والملفات الطبيبة المتعلقه به، وحقه بالخصوصية دون أية تدخلات خارجية، وحقه بالحصول على معلومات مكتوبة حول طبيعة مرضه وعلاجه ومستقبله المرضي، وحقه بعدم إستغلال مرضه لحصول الطبيب على حوافز أو أجور إضافية غير حقيقية.
هناك أيضا حق المريض بالتعبير عن الظلم الواقع عليه بسبب المساس بحقوقه، كحقه بتقديم شكوى أو تظلم عن إجراءات علاجه أو ضد قرارات التأمين الصحي بما يتعلق بخدمات الرعاية الصحية المقدمة له وحق المريض بوجود إجراءات واضحة ومعلن عنها لتقديم الشكاوى، وحق المريض بتقدم الطعون ضد قرارات تتعلق بتقديم خدمات الرعاية الطبية له على مستوى الجهة مقدمة التأمين وعلى مستوى الدولة.
جميع هذه الحقوق المذكورة أعلاه عالجتها التشريعات الأردنية في أماكن متفرقة من القوانين كقانون الصحة العام ونظام التأمين الصحي وقوانين النقابات المعنية المتعددة والدستور الطبي، ولم ترد في ميثاق أو نظام أو قانون موحد، وفيما يلي مثال على ذلك بما يختص بالعلاقة ما بين الطبيب والمريض والمفصلة بالدستور الطبي:
العلاقة بين الطبيب والمريض في التشريعات الأردنية هي كما يلي:
أوجبت مهنة الطب على الطبيب أن يحترم المريض في كل وقت وفي كل مكان، فقد نصت المادة 1 من الدستور الطبي على "إن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية قديمة قدم الإنسان، أكسبتها الحقب الطويلة تقاليد ومواصفات تحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف والأحوال وان يكون قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته مستقيما في عمله، ومحافظا على أرواح الناس وأعراضهم، رحيما بهم وباذلا جهده في خدمتهم. وتقوم المسؤولية بين الطبيب والمريض على بذل العناية وعدم الإهمال وليس الشفاء." كما وأوجبت مهنة الطب على الطبيب أن يعامل جميع المرضى بنفس هذه المعاملة الجيدة، حيث نصت المادة 12 من الدستور الطبي "على الطبيب عند قبوله رعاية أي شخص سواء في عيادته الخاصة أو في أي منشأة صحية أن يبذل كل جهده وطاقته لتقديم العناية والعطف والإخلاص لكل المرضى على حد سواء."
إن احترام خصوصية المريض وسرية علاجه وحرية موافقته على العلاج هي حقَّوق أساسية لأي فرد بالمجتمع، وهذه الحقوق هي جوهر بناء جو الثقة بين الطبيب والمريض، مما بؤدي بالتالي لتقديم أفضل رعاية صحية له بظروف أخلاقية مهنية راقية.
حرية المريض لاختيار طبيبه وحرية الطبيب لاختيار مريضه: إن العلاقة بين الطبيب والمريض تعرف بأنها عقد قانوني قائم على الموافقة الحرة المتبادلة بين الطرفين، إلا انه يصعب تحقيق ذلك في الـمُنشَأت الطبية الكبيرة، العامة والخاصة، وخاصة بوجود تنظيم إداري هيكلي محكم؛ مثل الخدمات الطبية العسكرية أو مُنشَأت وزارة الصحة أو الـمُنشَأت الصحية بالسجون، حيث تدخل مثل هذه الـمُنشَأة كطرف ثالث يحدد الاختيار والموافقة بين الطبيب والمريض.
إن المريض الذي يتلقى الرعاية الصحية بمثل هذه الـمُنشَأت الكبيرة ليس له مطلق الحرية باختيار طبيبه بسبب وجود ترتيبات إدارية لكل منشأة تحكم على المريض أن يتلقى الرعاية الصحية من قبل طبيب مُعَينْ من قبل إدارة المنشأة، ويكون العقد هنا قائم بين المريض وبين المنشأة.
إن حرية الطبيب الذي يعمل بمثل هذه الـمُنشَأت الكبيرة هي أيضا محددة؛ إذ لا يحق له أن يختار مرضاه كما يشاء، ويبقى واجب الطبيب المهني نحو مريضه قائما حتى وإن خالف المريض القواعد الطبية أو لجأ إلى رفض العلاج.
حق المريض بالوصول للمعلومات الطبية عن حالته: يحق للمرضى التزود بكافة المعلومات اللازمة عن حالتهم الصحية وعلاجهم والدواء الموصوف لهم، إن كان على شكل شهادة طبية أو تقرير طبي. ويعطى المرضى حق الوصول للمعلومات بملفاتهم الطبية التي أعدت لهم داخل العيادة الخاصة أو داخل الـمُنشَأت الصحية الكبيرة، باستثناء الحالات التي يتطلب العلاج الطبي على خلاف ذلك حفاظا على مصلحة المريض.
يحق للمرضى بطلب منهم أو بموافقتهم توصيل هذه المعلومات إلى عائلاتهم، محاميهم، طبيب آخر، الشرطة، القضاء، أو شركات التأمين، وعلى الطبيب أن يلتزم بالسر المهني أثناء قيامه بذلك كما نصت المادة 14 من الدستور الطبي " يجب على الطبيب عند إعداده للتقرير الطبي ألا ينسى انه ملزم بسر المهنة".
حرية المريض بالموافقة على العلاج الطبي:
على الطبيب أن يتجنب أي مبادرة طبية بدون علم المريض، حيث أن القانون وأخلاقيات مهنة الطب ضمنت لكل مريض ممـيـِّز حرية رفض العلاج أو أي تداخل أو إجراء طبي، حيث نصت المادة 62 من قانون العقوبات "لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة. ويجيز القانون أ-... ب-... ج- العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو رضا احد والديه أو ممثله الشرعي أو في حالات الضرورة الماسة." ونصت المادة 2 من الدستور الطبي "كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض المطلقة وان تكون له ضرورة تبرره وان يتم برضائه أو إرضاء ولي أمره إن كان قاصرا أو فاقدا لوعيه."
إن أي خروج عن هذا المبدأ الأساسي، بأخذ الموافقة، يجب أن يستند إلى القانون وأخلاقيات مهنة الطب حيث نصت المادة 18 من نفس الدستور "إذا طُلِبَ الطبيب بشكل طارئ لإسعاف مريض عاجز أو فاقد لقدرته على التصرف ولم يتمكن من الحصول على الموافقة القانونية في الوقت المناسب مع تثبيت ذلك في حينه، فعليه أن يقوم بالمعالجة اللازمة دون النظر إلى أي اعتبار آخر."
قد ينشأ وضع صعب ضاغط على الطبيب، عند تعارض سلوك المريض مع الواجب العلاجي للطبيب، يحدث مثل هذا الظرف عندما يكون المريض مصمِّما على استخدام جسده، أو إيذاء نفسه بغية ممارسة ضغط بقصد تلبية طلباته، أو الاحتجاج ضد سلطة ما، أو للتعبير عن مساندته لقضية من القضايا ففي حالات الإضراب عن الطعام، يتدخل الطبيب لمنع الوفاة عندما يضعف وعي المريض، أما خلال الإضراب فيقوم الطبيب بمحاولة إقناع المضرب عن الطعام بالعدول عن ذلك، أو أن يسمح له المريض بنوع من المراقبة الطبية أثناء الإضراب.
حرية المريض بالموافقة على إشراكه في الأبحاث الطبية: إن إشراك المرضى في الأبحاث الطبية يعتبر من المواضيع الحساسة، فمن الواضح انه يجب الحذر في الطريقة المتبعة لطلب الإشراك، نظرا لاحتمال تأثير وضعهم كمرضى وتأثير بيئة المستشفى على موافقتهم، حيث يأملون بمعاملة أفضل بعد ذلك. ويجب أن تتخذ احتياطات لضمان الحصول من كل مريض معني بالأمر على موافقته عن طواعية وسابق علم. كما ويجب اخذ موافقة المرضى عند إشراكهم في برامج التدريس للطلاب المهنيين.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في حقوق الإنسان والاخلاقيات المهنية الطبية
Comments