الشعوذة، الطب البديل او الطب التكميلي
أنتشر علاج المرضى بطرق غير علمية عبر التاريخ وفي مختلف مناطق العالم، من قبل المشعوذين والدجالين، وللأسف راجت أفكارهم وبضاعتهم، بسبب الجهل والبعد عن الدين، ويتقاضى هؤلاء الدجالين مبالغ خيالية ناهيك عن إلحاقهم الأذى والضرر بتفاقم المرض أو إحداث عاهة وتشويه أو حتى الوفاة، وتتراوح هذه الأنشطة ما بين الذهاب لمن يدعون السحر لرأب العلاقات الإنسانية بين الأزواج إلى علاج الصرع أو الفصام بالضرب والحرق وإلى علاج الأمراض السرطانية بأبوال الحيوانات.
ما الفرق بين علاج المشعوذين، وما يسمى الطب البديل، الطب التكميلي؟
لا يوجد نظام طبي متكامل يعطي الإجابة المثالية لجميع احتياجات الإنسان الصحية، حيث أن طرق العلاج التقليدية وغير التقليدية تشمل مدى واسع من فلسفات العلاج، فيسمى العلاج "تكميلي" عندما يستخدم بالإضافة أو عقب العلاج الطبي التقليدي ويسمى العلاج "بديل" عندما يستخدم بديلا على العلاج الطبي التقليدي.
من الممكن أن يكون هناك بعض الجوانب الإيجابية بما يسمى الطب التكميلي أو الطب البديل، وعلى المهنيين أن يكونوا على معرفة كاملة بأنواع وقيمة وفاعلية كافة أنواع العلاج العلمية بالإضافة لأنواع العلاج التي تسمى البديلة أو التكميلية.
من الممكن أن يستخدم العلاج التكميلي لخفض كرب وتوتر المريض، أو بهدف منع أو خفض المعانة من الأعراض والعوارض الجانبية للمرض أو للعلاج التقليدي، ولكنه ليس بأي حال من الأحوال بديلا عن العلاج التقليدي.
أما العلاج البديل فمن الممكن استخدامه للوقاية من المرض، أو في بعض الحالات البسيطة، والتي لا تحتاج لعلاج تقليدي أساسي، ويجب أن يتم بمعرفة الطبيب المشرف عادة على حالة المريض.
أثبتت الدراسات العلمية فاعلية بعض طرق العلاج التكميلي أو العلاج البديل لبعض الحالات المرضية المزمنة مثل ألم الظهر، الحساسية، التوتر، والصداع، لكن يجب أن تقدم هذه الوسائل العلاجية تحت إشراف طبي مباشر وبعيدا على الشعوذة والتضليل، وبعد الحصول على التراخيص الضرورية لضمان الرقابة والمهنية وعدم التضليل.
بعض أساليب العلاج بالطب البديل أو الطب التكميلي:
أولاً: المعالجة بالإيحاء التي تعتمد مبدأ العقل فوق الجسم، مثل المعالجة باللون، والمعالجة بالطاقة، التنويم المغنطيسي ويعتمد كل على الإيحاء الشفائي للمريض.
ثانياً: المعالجة بالتدليك اليدوي وتقويم الجسم، تشمل الريفلوكسولوجي: ويعتمد على الضغط باليد على مناطق معينة من الجسم، الوخز الإبري.
ثالثاً: المعالجة بالأعشاب من مثل الزيوت العطرية: استخدام خلاصة الزيوت المستخرجة من الزهور والنباتات لدهن الجلد أو للاستنشاق أوعن طريق الحمامات البخارية.
رابعاً: نمط الحياة، الرجوع إلى مصدر المرض وإزالته عن طريق الغذاء الطبيعي حسب نوعية الأجسام.
حيث أنه قد يكون هناك بعض الفائدة من هذه الممارسات قامت بعض الدول بترخيص للطب البديل والطب التكميلي على أن يمنع هؤلاء الممارسين من الأنشطة التالية: العمليات الجراحية أو أية مداخلات اجتياحيه لجسم الإنسان، إعطاء الحقن أو المحاليل الوريدية، التوليد، سحب الدم، علاج السرطان، علاج الأمراض الإنتانية أو الأمراض المعدية، إجراء فحوص داخلية، إعطاء وصفات طبية. يكون الترخيص تحت الرقابة من قبل السلطة الصحية في الدولة، وهذه خطوة عملية لمكافحة عواقب ما يسمى بالطب الشعبي للمشعوذين، الذي في أعم أغلب الحالات يلحق الضرر بالمريض، حيث أن الطب الشعبي يعتمد على ممارسات علاجية قائمة على موروثات ومأثورات شعبية وليس على أسس أو منهجية علمية ومنه نوعان: (1) الطب الشعبي المادي من مثل العلاج بالأعشاب والخلطات والكي والفصد والحجامة و(2) الطب الشعبي المعنوي يشمل العلاج بالتمائم والأحجية وتختلط هذه الأمور بشكل واضع مع السحر والشعوذة، ورغم هذا لا يزال كثير من الناس يؤمنون به بدرجة كبيرة.
فيما يلي استعراض لأهم وسائل علاج المشعوذين والتي تلحق أذى مباشر بجسم الإنسان من مثل الجروح والإصابات والعاهات وتفاقم المرض وحتى الوفاة، بالإضافة للأذى النفسي والاجتماعي.
الحجامة:
الحجامة هي استخدام الكؤوس المعدنية أو الزجاجية أو قرون الثيران أو أشجار البامبو بتفريغها من الهواء بعد وضعها على الجلد عن طريق الشفط، ويفرغ الهواء أيضا عن طريق حرق قطعة من القطن أو الصوف أو الورق داخل الكأس، هناك الحجامة الجافة بدون جرح الجلد والحجامة الرطبة بجرح الجلد وشفط الدم خارجا، وتختلف مواضع إجراء الحجامة باختلاف الهدف منها، فمثلا الحجامة تحت الذقن تجرى بهدف علاج أمراض اللثة ووجع الأسنان، وفي الرأس لعلاج رمد العين وحمرتها.
الكي:
الكَيُّ لغويا: إِحراقُ الجلد بحديدة. للأسف يستخدم الكي بشكل واسع للاعتقاد الخاطيء بأنه يقوي بعض أعضاء الجسم، وأنه يوقف النزيف، ويطرد البرد، ويسهل سريان الدم، وأنه ينشيط نظام المناعة، ويمنع التلوث، ويستخدم أيضا لعلاج فقر الدم، ألام المفاصل وعرق النسا، ومن الممكن أن يجرى في مختلف مناطق الجسم، تبعا للأعراض التي يشكو منها طالب العلاج.
الفصد:
الفصد لغويا: شَقُّ العِرْقِ، إنّ العقيدة الأساسية في علاج المشعوذين بالفصد هو اعتقادهم أن الدمّ الملوّث هو أساس كلّ الأمراض وأن التخلّص من الدمّ الفاسد هو أساس للتحسن والشفاء، وقد يتم ذلك في عدة جلسات، ويجرى في مختلف مناطق الجسم حسب طبيعة الشكوى، بالمناطق التي بها أوعية دموية بما في ذلك منطقة العنق.
الضرب:
يعتقد أن إبراء المصروع ودفع الجن عنه يحتاج إلى الضرب، فيضرب المريض ضربا كثيراً جدا وفي أغلب الأوقات يكون ذلك بعصا على مناطق الأكتاف والأرداف والأطراف، حيث تكون القناعة بأن الضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع حتى يفيق ويخبر أنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه،
الكهرباء:
يستخدم بعض المشعوذين الكهرباء معتقدين أنهم يقوموا بتعذيب الشياطين داخل المريض نفسيا.
الضغط على الأوداج (العنق)
إن من أخطر ما يفعله المشعوذين هو أسلوب الكشف عن المس بطريق الضغط على الأوداج، والبعض منهم إن لم يكن أكثرهم لا يدري ماذا يفعل ولما يستخدم هذه الطريقة، إلا أن بعضهم يظن أن الضغط على الأوداج حتى يغمى على المريض فيه دليل على مس الجن للإنسان.
الأعشاب:
المعالجة بالأعشاب بحاجة لدراسة وبحث مستفيضان لكل عشبة، حيث أن بعض الأعشاب له مفعول صيدلاني على وظائف جسم الإنسان، وبعضها له مفعول سمي كبير، وللأسف فأن المعالجين بالأعشاب أغلبهم جاهلون تماما بأمور الأعشاب والقليل منهم من يتابع الفاعلية العلمية لها.
العلاج بالرقي والتعاويذ والحجب:
تستخدم الرقية وبعض التعاويذ والحجب لعلاج الأمراض النفسية والصرع للاعتقاد بأنها تطرد الجن من المريض. إلا أنه يجب العلم بأن أغلب الأمراض النفسية الذهانية تحدث بسبب اختلال في نسبة الناقلات العصبية في الجهاز العصبي للإنسان وذلك نتيجة عدة عوامل منها تأثير البيئة والتربية والوراثة وعوامل عديدة أخرى جارى البحث عنها، والمرض النفسي مثله في ذلك مثل الأمراض العضوية الأخرى له أساس عضوي ولا يحدث بسبب الجن. كذلك الصرع هو حالة عصبية ناتجة عن اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ لأسباب عضوية نستطيع التوصل إليها باستخدام التحاليل الطبية وأجهزة الفحص الحديثة مثل رسم المخ والتصوير المحوري والرنين المغناطيسي، فالصرع مرض مثل الأمراض العضوية الأخرى ولا يحدث بسبب الجن.
وسائل أخرى:
علاج السرطان بأبوال وألبان الحيوانات، العلاج بسم النحل والأفاعي والعقارب، التجبير الشعبي للكسور. ختان الاناث (تشويه اعضائهن التناسلية).
عواقب العلاج من قبل المشعوذين: الجسدية والنفسية والإجتماعية
طمس التشخيص الطبي لحالة المريض وتفاقم مرضه بسبب عدم إجراءه التحاليل والاشعة وتقديم العلاج الملائم وخاصة في الحالات المرضية التي تحتاج لمتابعة حثيثة من مثل الصداع المزمن وحالات الآلام الروماتيزمية، تيبس أو تورم المفاصل المختلفة، ضغط الدم المرتفع، الشلل، الارق، مشاكل الحيض، عسر الهضم، النقرس، والسرطان.
قد تؤدي طرق العلاج بالشعوذة لإغماء بسبب الألم الشديد واحتمالية الوفاة من الصدمة العصبية، وخاصة للأطفال وكبار السن.
قد يحدث إنتان الدم إذا أجريت الحجامة أو الفصد أو الكي فوق جلد ملتهب أو متقيح.
قد ينتج عنها تمزق في العضلات أو إصابات في المفاصل وبتالي أعاقات حركية.
ينتج عن الضرب الشديد المتكرر، كدمات واسعة بالجسم تحطم بروتين العضلات مما يؤدي لإخفاق كلوي وبالتالي الوفاة وقد ينتج عنه كسور وإصابات شديدة بالمفاصل.
قد ينتج عن طرق الشعوذة المختلفة نزف داخلي بسبب تمزق الأوعية الدموية وخاصة بوجود الدوالي، أو معاناة المريض من إحدى أمراض الدم النازفة.
إجهاض المرأة الحامل، وخاصة عند استعمال الضرب أو الكهرباء أو الأعشاب.
قد يودي "الفصد" أو "الحجامة الرطبة" لفقر الدم أو للوفاة المباشرة بسبب النزف أو السدة الهوائية.
ينتج عن الكي والحجامة حروق في مناطق الاستخدام وبتالي تخلف ندب وتشويه دائم بالجلد.
تمتد الحروق الناتجة عن الكي والحجامة، بعمق الجسم، للأعصاب والأوتار والعضلات والمفاصل.
استخدام أداة ملوثة ربما تسبب نقل فيروسات خطيرة وخاصة أن تلك الأداة تستخدم في تحجيم أكثر من شخص فلو كان شخص يحمل فيروس الكبد الوبائي أو فيروس الايدز.
عواقب العلاج بالأعشاب هي التأثير السلبي على الجهاز الدوري والعصبي المركزي ولها مدى واسع من التأثيرات السمية التي قد تكون قاتلة.
المفعول السلبي للأعشاب ذات الفاعلية الصيدلانية على الجنين أو الرضيع إذا كانت المريضة حامل أو مرضعة.
الكهرباء وخاصة ذات التيار المتردد تتلف خلايا المخ فيصاب الإنسان باختلاجات عصبية يصعب علاجها، ومن الممكن أن تؤدي للوفاة مباشرة بسبب تأثيرها على القلب.
عواقب الضغط على الأوداج العنق قد تكون الوفاة خنقا، أو تلف الدماغ.
العلاج بسم النحل أو الأفاعي له تأثير مباشر على صحة الإنسان، بسبب مفعول السم.
العلاج بأبوال الحيوانات ينتج أمراض معدية تنتقل من الحيوان إلى الإنسان والتي قد يصعب تشخيصها الطبي بسبب أنها أمراض تصيب عادة الحيوانات.
التجبير العشوائي للكسور ينتج عنه تيبس المفاصل والالتئام المعيب للكسور.
العواقب النفسية والإجتماعية: هناك تأثير نفسي سلبي موثق للعلاج بالشعوذة، من مثل التوتر والكآبة والتفكك الأسري.
يرافق العلاج بالشعوذة الإساءة الجنسية في كثير من الأحيان.
هل يحق للطبيب الشعبي ممارسة مهنة الطب كما يفعل الطبيب المرخص؟
قانون الصحة العامة وقانون نقابة الأطباء تمنع أي شخص من معالجة المرضى ما لم يكن حاصلا على شهادة جامعية بالطب، فالحل العملي لمواجهة هذه المشكلة للتخفيف من عواقب هذه الممارسات الضارة هو الترخيص والرقابة لأنواع محددة من الطب التكميلي أو الطب البديل ومنع أية ممارسات أخرى من مثل الكي، الفصد، الحجامة، تجبير الكسور، جلي الماء الأزرق من العين، وكل هذه الأفعال هي أفعال شعوذة وتدجيل وتضليل وخداع المرضى.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف وأخلاقيات المهن الطبية
Comments