ورد في دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، أن الأطفال في دور الرعاية الإجتماعية في كافة دول العالم معرضين لمدى واسع من العنف من قبل الموظفين المسؤولين عنهم، ومثل هذا العنف يشمل الإساءة اللفظية والضرب، وتقييد الحركة لفترات طويلة، والاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي. ويأتي بعض أشكال هذا العنف كتدابير تأديبية أو عقابية ومسموح بها من قبل الدولة ففي 145 دولة بما فيها الأردن لم يتم لغاية الآن الحظر الصريح لعقوبة الإيذاء البدني وغيرها من أشكال العقوبة أو المعاملة المهينة بنص واضح وصريح في قانون العقوبات.
جذور العنف في مؤسسات الرعاية الاجتماعية:
يحصل العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية بسبب مواقف وسلوكيات ثقافية متوارثة منذ عشرات السنين مرجعيتها أن هؤلاء الأطفال هم نتاج جماعات إجتماعية مهمشة ومعزولة ومفككة أو لإرتباط ولادتهم بالخطيئة والشر، وبالتالي فإن العقوبة البدنية هي الطريقة المثلى لضبط هؤلاء الأطفال، ومع التقدم الكبير في التعامل مع هؤلاء الأطفال من الناحية الإنسانية الإ أنه يجب الإعتراف بأن هذه الثقافة لا زالت شائعة في المجتمع وما بين المشرفين على هؤلاء الأطفال، وعادة ما يتم وصف هؤلاء الأطفال بالمشاغبين والأشقياء ويجب أن يفرض عليهم الانضباط والسيطرة بالقوة والعنف.
بالرغم من التقدم الكبير في اساليب رعاية الطفل والتطور في إحترام حقوقه في مجالات عديدة الأ أنه لا يزال تحقيق الإصلاح في مؤسسات الرعاية الإجتماعية بطيئاً، ويرجع ذلك لوجود ثقافة سائدة بالمجتمع تعكس أولوية منخفضة بالتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا لليتم والهجر والإعاقة أو المخالفين للقانون وينعكس ذلك تلقائيا على التعامل معهم في مؤسسات الرعاية بسبب وجودهم خارج نطاق اهتمام السياسات الإجتماعية إلى حين حدوث أخفاق ذريع أو إساءة بالغة تصل إلى الإعلام حينها يظهر الإرتباك في الدفاع عن السياسات وعن الخدمات التي تقدم لهؤلاء الأطفال.
العوامل الأخرى المرتبطة بحصول العنف في مؤسسات الرعاية الإجتماعية هو أن عدد كبير من الموظفين غير مؤهل مهنينا وهم من ذوي الأجور الضعيفة ينقصهم الحافز على العمل، وعددهم عادة غير كاف للإشراف على الأطفال على مدار الساعة مما يزيد من احتمال تعرض الأطفال للعنف والاستغلال الجنسي، ويعتبر الإخفاق في الإشراف الملائم على الموظفين من قبل إداراتهم من المشكلات الخطيرة التي تشكل أيضا عوامل خطورة لحصول العنف.
عمليات التفتيش:
كما وأن غياب اللوائح والقواعد المُنظِمة لهذه المؤسسات وأهمها كونها مغلقة أمام عمليات التفتيش والمراقبة الخارجية وخاصة دور الرعاية التي تديرها المؤسسات الحكومية أو التي تقع في مناطق معزولة، يشكل عامل خطورة كبيرا لتعرض الأطفال لكافة أشكال العنف، وفي مثل هذه الظروف قد يستمر العنف سنوات عديدة إلى أن تتسب حالة جسيمة في الكشف عنه.
لا يتوقع أن يكون هناك أية فائدة بإدعاء القيام بالتفتيش والرقابة من نفس الجهة المقدمة للخدمات في مؤسسات الرعاية الإجتماعية لتضارب المصالح، ولا يصح قانونا أن تقييم الأدلة وتزن البينات التي تثبت أو تنفي العنف من قبل نفس المؤسسة التي يرتكب فيها عنف وإن كان بتراتب إداري أعلى، لأن بعض اشكال العنف التي يتعرض لها أطفال المؤسسات الإجتماعية تشكل جرائم تستوجب التحقيق والملاحقة بالحق العام ولا يجوز التعامل معها إداريا، والإخفاق بإبلاغ الإدعاء العام عن الإشتباه بحدوثها يشكل جريمة بحد ذاته وإنتهاكا صارخا بحق الطفل بالحماية من كافة أشكال العنف التي نصت عليها إتفاقية حقوق الطفل، وتميزا ضد الطفل مقارنة مع الأطفال خارج مؤسسات الرعاية.
يتوقع أن تقوم بعمليات التفتيش والرقابة وتلقي البلاغات من أطفال المؤسسات الإجتماعية، هيئات متخصصة تتصف بالحيادية والنزاهة وغير مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالجهة مقدمة الخدمة أو المشرفة على هذه المؤسسات. إن التحقيق في حالات تعرض الأطفال في دور الرعاية الإجتماعية للعنف من قبل لجان من نفس المؤسسة، وخاصة إذا كانت حكومية، يتصف بالسطحية ونادرا جدا ما يخضع المعتدين للمحاكمة، وعادة يكون أعضاء هذه اللجان غير راغبين في إخضاع زملائهم المتورطين لإجراءات تأديبية أو للمحاكمة، أو يخشون الوصمة السيئة للمؤسسة التي يعملون بها، وبالتالي فإن الإخفاق في إخضاع مرتكبي العنف للمساءلة ومحاسبتهم يؤدي إلى إستمرار العنف، وإلى تولد بيئة يكون بها العنف ضد الأطفال أمرا مقبولاً ومعتاداً.
التصدي للعنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية
يتطلب أمر التصدي للعنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية التعامل مع مراحله المختلفة، فإن الوقاية الأولية للعنف قبل وقوعه في المؤسسات أمر بالغ الأهمية وهذا يتطلب التعامل مع محورين هامين أولهما الحد من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى إيداع الأطفال في المؤسسات، والثاني هو توفير بدائل للمؤسسات نفسها مما يتطلب عملا متعدد القطاعات المهنية على المستوى الوطني. كما وأن العمل على خفض نسبة العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية يتطلب توفير بيئة آمنة للأطفال يشرف عليها موظفين مدربين لهم أجور ملائمة، وتخصصات مهنية تستجيب لاحتياجات الأطفال المتفاوتة حسب مراحل تطورهم، والإشراف المحسن وشفافية الإدراة. أما عقب حصول العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية فيجب اتخاذ الإجراءات التي تمنع المسؤولين عن هذا العنف من الإفلات من العقوبة، وذلك بوضع آليات فعالة وشفافة للتبليغ والمراقبة والتحقيق والمساءلة.
لضمان ما سبق قانونيا ينبغي أن يتضمن التشريع الأردني مواداً تضمن عدم استمرارية كون مؤسسات الرعاية الإجتماعية مواقع مغلقة دونما الخصوع للمساءلة، من مثل التفقد المهني المنظم لهذ المؤسسات من قبل مؤسسات حقوق الإنسان والمحامين والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المهني بما لا يتعارض والإحترام الواجب والخصوصية الفردية للأطفال في هذه المؤسسات. كما وينبغي أن ينص القانون الأردني على إنشاء نظم فعالة للرقابة والإبلاغ من قبل هيئات مستقلة مؤهلة تتمتع بالكفاءة لها سلطة المطالبة بمعلومات مستمرة حول الظروف القائمة في مؤسسات الرعاية الإجتماعية وكذلك سلطة التحقيق في البلاغات عن إرتكاب العنف ضد أطفال هذه المؤسسات. ويجب أن يضمن التشريع أن يُتاح للأطفال في المؤسسات الإجتماعية آليات واضحة للشكوى، تكون مأمونة ومستقلة وبسيطة وسهلة المنال بما في ذلك توفر حق الإستئناف للأطفال أو ممثليهم إذا لم يقتنعوا بالإستجابة التي نالتها شكواهم.
إن الإستمرار في عدم الإقرار بمشكلة العنف ضد أطفال المؤسسات الإجتماعية وحلها على المستويات التشريعية والإدارية والإجرائية يعتبر إنتهاكاً صارخا لحقوق هؤلاء الأطفال المهمشين وتميزاً ضدهم، فهم يستحقون الحماية ويستحقون الحياة.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Comentarios