عرفت منظمة الصحة العالمية "الصحة" بانها اكتمال المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد انتفاء المرض او العجز، هذا التعريف بطبيعة الحالة ينطبق تماما على معاناة مرضى السرطان النفسية والاجتماعية والتي في كثير من الأحيان تفوق معاناتهم الجسدية، وبناء عليه يتوقع عند اكتشاف مرض السرطان والبدء في العلاج ان تكون الخدمات المقدمة للمريض شاملة تدابير مهنية متخصصة للتعامل مع المعاناة النفسية والاجتماعية بالإضافة للمعاناة الجسدية، وأيضا وبذات الأهمية تجنب تعريض المريض لأي عوامل تؤدي الى تفاقم هذه المعاناة بمركباتها الثلاث الجسدية والنفسية والاجتماعية إن كان ذلك في إجراءات توفير العلاج المهني المتكامل او إجراءات النفاذ للخدمات أو الإجراءات المتعلقة بالتأمين الصحي الذي يضمن توفير العلاج المتخصص في التوقيت المبكر.
الحق بالحياة والصحة والعلاج بالمساواة لمرضى السرطان:
يؤكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ويشمل الحق في الصحة الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة وفي التوقيت المناسب.
تنص الاتفاقيات الدولية على ان تلتزم الحكومة والقطاعات الطبية بتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض وان الحق بالصحة يشمل (1) توفير القدر الكافي من المرافق الصحية العمومية ومرافق الرعاية الصحية والمستلزمات والخدمات والبرامج. (2) استفادة الجميع من فرص الوصول إلى المرافق والخدمات الطبية، ضمن جميع مناطق الدولة. (3) يجب أن تكون المرافق والخدمات الطبية مناسبة علمياً وطبياً وذات جودة ونوعية جيدة.
المعاناة النفسية والاجتماعية لمرضى السرطان:
مرض السرطان وإجراءات علاجه تسبب العديد من المشاكل للمريض، بالإضافة لمشاكل نفسية واجتماعية، تؤثر بشكل مباشر على مشاعرهم نحو أنفسهم ونحو أسرهم وزملائهم في العمل ونحو المجتمع.
من اهم المشاعر التي يشعر بها مريض السرطان وأقاربه خلال رحلته في مواجهة المرض، الخوف، الغضب، الحزن، عدم السيطرة على النفس، والعجز. تكون هذه المشاعر شديدة في المرحلة الأولية اثناء تشخيص المرض أو في مراحل تغير إجراءات ونوعية العلاج. المشاعر السلبية المتعلقة بمرض السرطان تتغير بالتفاوت الشخصي ما بين المرضى، وبجودة الدعم النفسي والاجتماعية والاقتصادي المقدم لهم.
العوامل العامة التي تزيد من احتمال حدوث المعاناة النفسية والاجتماعية لمرضى السرطان:
غياب الاسرة كالطلاق او وفاة الزوج او الزوجة، وكون المريض صغير السن.
الانعزال الاجتماعي.
وجود أبناء صغار السن للمريض.
التفكك الاسري والعنف الأسري.
وجود اضطراب بالعلاقات مع الاخرين.
وجود تاريخ لمرض خطير آخر غير السرطان او إصابة خطيرة سابقة.
التعود على العقاقير والكحول. المشاكل المالية.
العوامل المتعلقة بطبيعة مرض السرطان والتي تزيد من المعاناة النفسية والاجتماعية:
اكتشاف المرض في مرحلة متقدمة منتشرة في أعضاء الجسم المختلفة.
كون المرض في مراحل متقدم وغياب توقع الشفاء.
المعاناة من تأثيرات العلاج الكيماوي والشعاعي والهرموني.
تأثير مرض السرطان على إحداث عجز عن القيام بمهام الحياة الاعتيادية او حدوث إعاقات دائمة بسبب مرض السرطان.
حدوث تورم الأطراف نتيجة إزالة الغدد الليمفاوية.
تسبب السرطان بحدوث ألم شديد وتكرار المعاناة منه.
تسبب السرطان بحدوث الإرهاق والشعور بالإعياء الدائم.
العوامل الجسدية والمتعلقة بطبيعة العلاج الكيماوي او الإشعاعية او الهرموني التي تزيد من المعاناة النفسية والاجتماعية:
تسبب إجراءات العلاج بالشعور بالإعياء الشديد.
الشعور بالغثيان والمعاناة من التقيؤ.
الشعور بألم شديد.
عدم القدرة على الإنجاب.
عدم القدرة على الممارسات الجنسية.
العواقب الناتجة عن العلاج بالهرمونات وخاص عدم انتظام الطمث.
المعاناة من اضطرابات النوم واضطرابات الطعام.
المعاناة النفسية والاجتماعية لمرضى السرطان قد تمتد لحصول الاكتئاب او القلق:
القلق: الشعور بالخوف والفزع والتوفر. تجنب مواجهة الاخرين او الظهور في الأماكن العامة. الحاجة إلى طمأنة مستمرة من قبل الاخرين. التعرق، الارتجاف. ضيق في التنفس شعور الم في الصدر.
الاكتئاب: الشعور بالحزن والعجز بشكل دائم. فقد الاستمتاع بالأنشطة الحياتية. فقد الشهية للطعام وزيادة في بنية الجسم. تجنب التواصل مع الأصدقاء او افراد الأسرة. عدم مغادرة المنزل. اضطراب النوم. الشعور بالتعب والاعياء. واضطرابات النوم والأرق. الشعور بالذنب وبأنهم عباء على الاخرين. فقدان الشعور بقيمة الحياة. الشعور برغبة بإيذاء النفس او الانتحار. التعود على الكحول او العقاقير.
ان استجداء مريض السرطان للحصول على إعفاء مالي او الحصول على تقرير طبي يحقق له التحويل لمركز متخصص يضمن علاجه وما يرافق ذلك من بيروقراطية إدارية موثقة لا مجال لحجب حقيقتها، تشكل أبشع انتهاك لحقوق المريض ويفاقم معاناته الجسدية والنفسية والاجتماعية. لا يوجد مبرر واحد حقيقي للتأخير بتنفيذ التأمين الصحي للجميع، هو حق يهدف للأمن الاجتماعي والذي يوازي الأمن في مواجهة مخاطر الجريمة والعنف والإرهاب، وضبط النفقات الحكومية بواسطة التقطير في علاج المواطن هو انتهاك بحد ذاته لحقوق الإنسان بالحياة والصحة والعلاج، ويتوجب إلغاء جميع الجهات التي تمنح إعفاءات وتحويل تمويلها لصندوق تأمين صحي موحد كخطوة في اتجاه التأمين الصحي للجميع.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في حقوق الإنسان، والاخلاقيات الطبية
Comentarios