top of page
صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد من وزارة الصحة الأردنية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد
رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد

زملائي وأصدقائي...

سلام وتحية...

عن علي بن ابي طالب قال "أغناكم أقنعكم وأنجحكم أصدقكم"

فبعد اتخاذي القرار الأصعب باختيار عدم طلبي تمديد خدمتي في وزارة الصحة الاردنية، ورغبتي الديمومة بالعمل بقوة دفاع البحرين، قرر مجلس الوزراء بتاريخ ١٢/٨/٢٠١٥ الموافقة على طلبي المقدم لوزير الصحة بإحالتي على التقاعد اعتبارا من تاريخ ٢٢/٨/٢٠١٥.


أحبتي:

الطب الشرعي يزدهر في الدول التي تحترم حقوق الإنسان كونه المرجع العلمي الحقيقي لحماية الفرد والأسرة والمجتمع من الجريمة ومن العنف، فخلال فترة عملي المتواصلة لستةٍ وعشرين عاماً في المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن، اعتز أني ساهمت في الدفع لتحقيق هذه القناعة على أرض الواقع، كون هذا التخصص تقاطع حقيقي ما بين المعارف الطبية وبين المرجعية القانونية والخدمات الإجتماعية وحقوق الإنسان، بل وامتد وجود الطب الشرعي إلى المحاكم الجنائية الدولية وفي مواجهة جرائم الحرب والإرهاب.


رسالتي التي حملتها ولا أزال، أن للطب الشرعي، بالإضافة لدوره التقليدي في تحقيق العدالة من خلال العلم، دور جوهري في الحفاظ على حقوق الإنسان، وحماية الاسرة كالوحدة الأساسية للمجتمع، والإسهام بتحقيق بيئة إجتماعية آمنة، والوقاية من الإصابات والعنف بخفض عوامل الخطورة المتعلقة بهما، والمساهمة في الأبحاث والتعليم الطبي المستمر. لقد شهدت خلال عملي في وزارة الصحة تحقق هذه الأدوار بالمساهمة الجلية في تأسيس إدارة حماية الأسرة، وبرنامج حماية الاسرة في وزارة الصحة، ولجان مناهضة التعذيب، وإلقاء الضوء وعلى المستوى الوطني على ظواهر شكلت تحديا للمجتمع، كالعنف ضد المرأة وإساءة معاملة الأطفال وجرائم الشرف، وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي كان للمركز الوطني للطب الشرعي حضور مميز في المؤتمرات والمحافل العلمية المتعلقة بمواجهة الجريمة وبحقوق الإنسان وبالوقاية من العنف والتعذيب.

رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد
رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد

مصداقية الطب الشرعي قائمة على الثقة في الخدمات التي يقدمها، وهذه تعتمد على معايير مرجعية تشمل توفر البنية التحتية المناسبة والحديثة والكوادر المهنية ذات المعرفة والخبرة الجيدة والملتزمة بالأخلاقيات العامة وأخلاقيات مهنة الطب، والتي تعمل بكفاءة وفعالية، لكن وللأسف خلال بضعة سنوات خلت كان هناك هجرة للكفاءات الأردنية في مجال الطب الشرعي، وضعف في استدامة جودة البنية التحتية للمركز.


قناعتي القائمة على المعرفة المسندة، كانت وستبقى أن خدمات الطب الشرعي يجب أن تقدم من قبل مؤسسة صُممت وأُنشئت وأُعدت لتقديم هذه الخدمات المتخصصة، ولا يصح أو يصلح أن تُقدم من خلال مؤسسات تقدم خدمات صحية أو شرطية أو قضائية، حيث أن هدف الطب الشرعي هو إنجاز العدالة في عموم المجتمع من خلال التحقيق المهني المستقل في الوفيات المفاجئة والمشتبهة والجنائية والتقييم السريري لضحايا ولمرتكبي العنف والجريمة، ولتحقيق هذه العدالة يجب أن يُمارس الطب الشرعي من خلال مؤسسة وطنية تتصف باستقلالية مهنية وإدارية تامة قائمة على مفهوم مطابق لاستقلال القضاء، وهذا يعني أن يكون المركز الوطني للطب الشرعي مستقلاً مالياً وإدارياً ومهنيا في الهرم الإداري للدولة وغير مرتبط بأية جهة صحية أو شرطية أو قضائية قد تتدخل لمصالحها الخاصة في مهامه التنفيذية، وأيضا ليبتعد تماما عن أي شبهة فساد أو واسطة أو محسوبية. هذه الاستقلالية لا تعني غياب الرقابة الإدارية بل هي تشتمل في صميمها على وجود آليات لضبط الجودة والمساءلة المهنية بمرجعية قانونية وإدارية تتصف بالشفافية.


لغاية ستة سنوات خلت قطع المركز شوطا هاما في مجال الاستقلالية هذه، إلا ان غياب المأسسة، وتفشي الترهل وتضارب المصالح الشخصية، والتناحر على إدارة المركز بعيدا عن الحيادية والنزاهة، وما رافق ذلك من شبهات الفساد، أفضت جميعها لانحدار السمعة الطيبة للمركز وإلى تخفيض مكانته في الهيكل الإداري لوزارة الصحة بثلاث مستويات بعد إن كان مرتبطا بمكتب الوزير مباشرة والتي كانت قد وفرت شكلا من اشكال الاستقلالية.


أصدقائي:

نعم بداية فصل جديد في سني عمري، وبفخر وزهو فصل أسدل تخلله ولا يزال الاحترام والمودة لكم، ومحبتي وتقديري لمن عاتبني منكم، بالدعابة او بالجدية، عن قسوتي خلال تدرجهم المهني، فما يربطنا بالإضافة للزمالة والصداقة، المعرفة والمهارة والالتزام المهني.


قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع، عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ"، فإن إنزعج بعض وزارء الصحة أو وزراء التنمية الاجتماعية أو ضُباط الامن العام أو المدراء في مستويات مختلفة من إنتقادي للتشريعات وللخدمات والإجراءات، فالحفاظ على حقوق الطفل والمرأة والإنسان كان المحور.

رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد
رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد

بمنهجية مبادئ الصحة العامة فإن زملائنا الإعلامين، هم العون المؤثر في تغير الإتجاهات السلبية في المجتمع وفي تسليط الضوء على الاخفاقات والعقبات والتحديات التي تؤثر سلبا على الفرد والأسرة، وبمهنيتهم الملتزمة تحقق الكثير في مجال كسر صمت واضعي السياسات وصانعي القرار والمهنيين، وتقاريرهم المهنية أشَاعت ثقافة حماية الإنسان والإسرة ومناهضة العنف في وطن آمن.


زملائي

أن تكون طبيبا شرعيا ليس بالأمر اليسير، فهذا التخصص يحتاج إلى مجال رحب من المعرفة الطبية والقانونية، وإلى تطبيق هذه المعرفة في محيط حَرّج، ودوركم أن تكونوا مؤثرين في الأحداث التي تتعاملون معها وهذا يتطلب منكم المصداقية وضبط النفس، وأهم دافع قوي لقيامكم بذلك هو وجود قناعة لديكم أن ما تقومون به يتعدى مهارة إجراءات التشريح والكشف السريري فنياً، إلى ما هو أبعد من ذلك بالنظر إيجابياً لحياة الإنسان الغالية بصيانتها والحفاظ عليها بردع الجريمة وحماية المواطن والأسرة وبالتالي حماية المجتمع والوطن.

والله ولي التوفيق ...

رسالة سلام وتحية للأصدقاء والزملاء بمناسبة إحالتي على التقاعد

هاني جهشان

٢٢-٨-٢٠١٥

٥٢ مشاهدة

Comments


bottom of page