الفساد في مجال العقاقير الطبية يحصد الآلاف من الأرواح في كل عام وُيسارع في انتشار الأمراض، وإلى حرمان الملايين من البشر من العناية الطبية الأساسية وبالتالي تكون المعاناة الإنسانية هي المحصلة الحقيقية والثمن الباهظ نتيجة الفساد في هذا المجال، فالمال الذي يضيع بسبب الفساد يمكن استخدامه لشراء الأدوية الحقيقية ذات المنفعة القائمة على الدليل العلمي، وتجهيز المستشفيات ودعم الكادر الطبي الذي تحتاجه المنشآت الطبية.
الفساد في القطاع الصحي
الفساد في مجال العقاقير الطبية هو احد مركبات الفساد بالقطاع الصحي بشكل عام، فالفساد في القطاع الصحي يشكل خطرا حقيقي يهدد حياة المواطنين وصحتهم، وموجود في مختلف مستويات الخدمات الصحية، ويشمل الاختلاس من الميزانيات الصحية، نهب الأدوية والمستلزمات من القطاع العام لاستخدامها في القطاع الخاص أو لبيعها مقابل مبالغ نقديه، تحصيل أموال أو هدايا من قبل أطباء القطاع العام مقابل الخدمات التي يقدمها للمرضى، الفساد المتعلق بالمشتريات والعطاءات على شكل عمولات خفية، المحسوبية والواسطة في إدارة القوى البشرية، والرشوة في توظيف وترقية العاملين بالقطاع الصحي، الرشوة في إنفاذ معايير الرقابة على خدمات القطاع الصحي.
الفساد في مجال العقاقير الطبية من مرحلة التصنيع الى مرحلة وصوله لرفوف الصيدليات
الفساد في مجال العقاقير الطبية هو ظاهرة خطيرة تهدد صحة وسلامة المرضى وتنال من جودة الخدمات الصحية. يمكن تعريف الفساد في هذا المجال بأنه استغلال سلطة أو موقع ما لتحقيق مصلحة شخصية أو جماعية على حساب المصلحة العامة أو حقوق الآخرين. ويشمل الفساد في مجال العقاقير الطبية عدة أشكال:
1) التزوير والتلاعب بالعقاقير والمستحضرات الصيدلانية اثناء التصنيع بمعايير متدنية او غير صالحة او غير مسجلة والتلاعب بالأسعار الحقيقية للعقاقير، ويشمل أيضا تحريف مكونات، أو خصائص، أو تاريخ صلاحية، أو مصدر، أو علامة تجارية للعقاقير والمستحضرات الصيدلانية بغرض الغش أو الربح غير المشروع.
2) الرشوة والمحسوبية والتضارب المصالح في قطاع العقاقير والمستحضرات الصيدلانية، وهي ممارسات غير قانونية أو غير أخلاقية تتم بين مختلف الأطراف المعنية بإنتاج، أو توريد، أو توزيع، أو استهلاك العقاقير والمستحضرات الصيدلانية، مثل المصنعين والموردين والمستوردين والمنظمات الصحية، والأطباء، والصيادلة، والمرضى. وتشمل هذه الممارسات دفع، أو قبول رشى، أو هدايا، أو علاوات، أو رحلات، أو تدريبات، أو منح دراسية، أو تأثير سياسي، أو عائلي، أو صداقة لتأمين صفقات، أو اتفاقات، أو تراخيص، أو تسجيلات، أو وصفات طبية، أو استخدامات غير مشروعة للعقاقير والمستحضرات الصيدلانية.
3) التلاعب في طرح عطاءات شراء الأدوية وتحديد أسعارها للقطاع العام، والفساد في معايير اختيار الشركات أو المصانع التي يرسي عليها العطاء.
4) ترويج مصانع أو مخازن الأدوية لعقار محدد دون الاستناد على الأبحاث العلمية لإقناع الأطباء لوصفه وقيام الطبيب بالاستجابة لهذا الترويج بوصف هذا العقار يدخل أيضا ضمن الفساد لتضارب المصالح.
5) الفساد أثناء إقرار قائمة العقاقير الطبية التي يحتاج القطاع العام شرائها يتم بالتواطؤ بإضافة أدوية غير ضرورية مقابل شطب شراء أدوية هامة ويعود ذلك على أرباح هائلة لمنتجي ومستوردي العقاقير الطبية.
6) الفساد وضعف أو غياب المهنية بتقدير كمية العقاقير الطبية التي سيحتاجها القطاع العام فإما أن تكون كبيرة بقصد التواطؤ وتفسد عند انتهاء فترة الصلاحية قبل استخدامها، أو تكون قليلة وتنفذ سريعا انتظرا لطلب كمية إضافية.
7) الفساد في قوائم العقاقير الطبية المعتمدة في تغطية التأمين الصحي تخضع لاستغلال نفوذ المهنيين من أطباء وصيادلة في القطاع العام أثناء إقرار هذه القوائم.
8) سرقة وتهريب وتبديد وإساءة استخدام العقاقير والمستحضرات الصيدلانية، وهي جرائم تتم بسبب نقص في الإشراف أو التفتيش أو المساءلة في قطاع العقاقير والمستحضرات الصيدلانية. وتشمل هذه الجرائم سرقة، أو تهريب، أو تبديد، أو إساءة استخدام العقاقير والمستحضرات الصيدلانية من قبل المسؤولين، أو الموظفين، أو الموردين، أو المستوردين، أو الصيادلة، أو الأطباء، أو المرضى، أو العصابات الإجرامية. وتؤدي هذه الجرائم إلى
عواقب الفساد في مجال العقاقير الطبية:
ويؤدي هذا النوع من الفساد إلى خطر على صحة المستهلكين وانتشار المقاومة للأدوية وزيادة التكاليف الصحية. وتدني جودة الخدمات الصحية وانتهاك حق المرضى في الحصول على علاج مناسب ونقص في التوفر والتوزيع والاستخدام السليم للعقاقير والمستحضرات الصيدلانية وزيادة المخاطر الصحية والأمنية.
عدم كفاءة الخدمات الصحية في القطاع العام يؤدي لنقص العقاقير الطبية:
1) عدم كفاية الخدمات على المستوى الوطني نتيجة الإخفاق في التخطيط الاستراتيجي، والفشل برصد الموار المالية والبشرية التي تضمن تقديم خدمة طبية نوعية جيدة.
2) الفشل في وضع البرامج الصحية الوطنية موضع التنفيذ بسبب الإخفاقات الإدارية والبيروقراطية والفوضى والفساد في القطاع الصحي العام.
3) ما سبق (1و2) يؤدي إلى نقص بالعقاقير الطبية المتوفرة للقطاع العام وأيضا بعدد الاسرة بالمتوفرة بالمستشفيات، ونقص بعدد الأجهزة الطبية المتاحة للاستعمال وضعف في صيانتها ونقص بالمستلزمات الطبية وبالتالي تأجيل الاستجابة السريرية للحالات بالتشخيص والعلاج والتأهيل لفترات طويلة.
فساد المهنيين في القطاع العام يؤدي لنقص العقاقير الطبية:
عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية لمهنة الطب ولمهنة الصيدلة وآدابهما، والتي تشمل الخصوصية وتحقيق المنفعة وعدم الإضرار والعدالة والمساوة بتقديم الخدمات لجميع المرضى
1) يقوم الأطباء في القطاع العام بإساءة استخدام صرف العقاقير الطبية لمنفعة شخصية أو لمنفعة أصدقائهم أو أقاربهم أو بهدف إعادة بيعها لمنفعة مالية.
2) الهدر بصرف العقاقير الطبية خارج نظم الملفات الطبية والمواعيد من خلال المعارف الشخصية والمرضى المرسلين للطبيب بواسطة ومحسوبية.
3) الهدر بصرف عقاقير طبية لمرضى لم يتم معاينتهم، او يتم تسجيلهم بشكل وهمي، او صرف ادوية لا يحتاجها المريض تضاف على الوصفة ليتم التصرف بها من قبل الطبيب او الصيدلي.
4) قد يعمل أطباء القطاع العام في القطاع الخاص على الرغم من أن الأنظمة لا تسمح بذلك، ويتم استخدام العقاقير والمستلزمات الطبية لمصلحة مرضاهم في القطاع الخاص.
5) سرقة الادوية مباشرة وتسريبها من الخدمات التي يقدمها القطاع العام الى أسواق القطاع الخاص وهذه خاصة تنعكس سلبا بشكل كبير على المرضى الفقراء والمهمشين والفئة الضعيفة في المجتمع.
التوصيات الخاصة بمكافحة الفساد في القطاع الصحي
مواجهة الفساد في القطاع الصحي يتطلب التزام واسع النطاق باحترام القانون وتطبيق محتواه وتطبيق أنظمة الخدمة المدنية النافذة المفعول ووجود آليات للالتزام بالمسؤولية بمرجعية الأخلاقيات المهنية وأخلاقيات الموظف العام، ونجاح مكافحة الفساد في القطاع الصحي يتطلب أيضا توفر وسائل إعلام مستقلة ومجتمع مدني قوي.
ضمان شفافية المعلومات عن القطاع الصحي
(1) من الواجب على الحكومة ووزارة الصحة إصدار معلومات حول الميزانيات المخصصة للصحة وحول أداء هذه الخدمات على المستويات الوطنية والمحلية، بوسائل الإعلام التقليدية والحديثة بحيث تخضع الإدارات الحكومية والمستشفيات وشركات وهيئات التأمين الصحي لعمليات تدقيق محاسبية مستقلة، كما ويتوقع من الحكومة والسلطات أن توفر معلومات حول عمليات العطاءات والمناقصات بما في ذلك إجراءات العروض والشروط وعمليات التقييم والقرارات النهائية المتعلقة بها.
(2) يجب تطبيق أنظمة فعالة على الصعيد الوطني من أجل الإبلاغ عن التأثيرات المناوئة للعقاقير الطبية وتوفير حافز للأطباء للتبليغ عن هذه المعلومات، وتوفير قاعدة بيانات عامة تدرج فيها كافة نتائج الأبحاث المتعلقة بالعقاقير الطبية المستخدمة من قبل القطاع العام للتأكد من نجاعة الأدوية التي تقدم للمواطنين، بالإضافة للكشف عن كل دعم مالي تقدمه شركات الأدوية لأبحاث تتعلق بمنتجاتها.
ضمان تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام:
(1) إن تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام يتطلب جهدا يتجاوز التثقيف بها وتوفيرها لجميع العاملين، إلى عملية التدريب العملي المستمر على إجراءات تطبيقها في كافة قطاعات النظام الصحي على المستوى الوطني للأطباء والصيادلة والإداريين، ويجب أن تكون هذه المدونات مرجعا صريحا وواضحا للوقاية من الفساد وتناقض المصالح التي من الممكن أن تؤدي إلى الفساد وكذلك يجب أن تكون مرجعا للاستجابة لأنشطة الفساد بالعقوبات الواردة بها.
(2) يجب على شركات الأدوية والأجهزة الطبية أن تتبنى مبادئ أخلاقية واضحة للأعمال التجارية تتعلق بمقاومة الرشوة تلتزم من خلاله الشركات تطبيق برنامج شامل مقاوم للفساد.
مشاركة وأشراف هيئات رقابية مستقلة:
(1) يجب على السلطات الصحية توفير وتمهيد الطرق والسبل للإشراف العام من قبل هيئات مستقلة، والذي يحسّن من الأداء والشفافية، ومراقبة المشتريات واختيار الادوية.
(2) السياسات الصحية العامة وماهية الخدمات الصحية والميزانيات الصحية يجب أن تكون منفتحة على عملية الفحص والتدقيق العام، حيث تكون كافة مراحل تشكيل الميزانية، التنفيذ وتقديم التقارير سهلة الوصول بالكامل لمؤسسات المجتمع المدني.
الحماية بواسطة إيجاد آليات للتبليغ عن الفساد:
(1) يتوقع من الحكومة أن توفر آليات آمنة وقانونية للتبليغ عن الفساد للأفراد العاملين في هيئات وإدارات المشتريات والسلطات الصحية على مختلف مستوياتها، وكذلك للمهنيين مقدمي الخدمات الصحية وموردي العقاقير والمستلزمات الطبية.
(2) كما يتوجب على شركات الادوية والمستحضرات الصيدلانية التعريف بآليات التبليغ من الفساد.
خفض محفزات الفساد:
(1) ضمان استمرارية الرقابة الحازمة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والرقابة على الأمور المالية لضمان أن طبيعة هذه الخدمات يمليها حالة المريض السريرية وليس المنافع الشخصية أو المالية أو الربح غير المنظور.
(2) يجب ان يدفع للأطباء، والممرضين والمهنيين الصحيين الآخرين اجرًا كريمًا ومقبولا، يتوافق ومستواهم التعليمي، مهاراتهم وتدريبهم.
قواعد لمنع تضارب المصالح:
(1) على الحكومة تبني قواعد لمنع تضارب المصالح التي لا تجيز لأفراد أو جماعات ذات صلة أو مصلحة ومنفعة في مصانع المستلزمات الطبية والأدوية، من المشاركة في دراسات وتجارب الأدوية الإكلينيكية.
(2) يتوجب على الحكومة ان تدفع باتجاه تبني مبادئ الشفافية في عمليات تنظيم الادوية، بما في ذلك خفض عملية الترويج المكثف للأدوية، ووضع قيود علمية على الأطباء فيما يتعلق بوصف الادوية ومراقبة اشد وأوثق على العلاقات بين الادارات الصحية وصناعات الادوية.
(3) يتوجب على السلطات المختصة بالترخيص الصحي تحديد قواعد معينة وخاصة لسلوك الاطباء بخصوص العلاقات مع مصانع وشركات صناعة الادوية والأجهزة الطبية.
مواثيق ومعاهدات النزاهة وحظر الفساد:
(1) تطبيق اتفاق ملزم من جانب كلا من المناقصين والحكومة بأن لا يعرضوا او يقبلوا رشاوي بالتعاقدات العامة على المشتريات الرئيسية في القطاع الصحي.
(2) يجب على الحكومة حرمان ومنع وحظر الشركات التي يعرف أنها تنخرط في ممارسات الفساد من المشاركة في عمليات تقديم المناقصات ولفترات محددة او دائمة من الوقت.
عملية المقاضاة الصارمة:
(1) من الضروري والمهم بالنسبة للسلطة القضائية التعامل بمرجعية أن أنشطة الفساد هي أفعال جرمية تتطلب إجراءات عقابية صارمة يفرضها قانون العقوبات بقوة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر يجب مقاضاة ومعاقبة منتجي الادوية المخالفة للمواصفات والمسئولين العامين الذين يتواطؤون ويتأمرون معهم.
(2) يتوجب توفير الخبرات الضرورية والموارد المالية والاستقلالية لهيئات مكافحة الفساد بهدف الترويج لإجراءات الوقاية من الفساد في القطاع الصحي، ودعم العاملين بها للقيام بمهامهم واداء واجباتهم، وأن يتم تدعيمها بمحاكم مستقلة مختصة.
إن الصحة هي حق انساني عالمي وان الفساد في القطاع الصحي والفساد في مجال العقاقير الطبية يحرمان كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية، ويؤديان إلى مخاطر على صحة المواطنين وارتفاع في تكاليف العلاج وتدني جودة الخدمات الصحية ويشكلان انتهاكا صارخا لحقوق المرضى، ونقص وفوضى في توفير وتوزيع العقاقير. لا توجد طرق معالجة بسيطة للسيطرة على الفساد في القطاع الصحي، ولكن تعتبر التوصيات الواردة في التقرير عوامل لتوفير بيئة تمنع، او تعيق، أو تخفض وتتحكم في وتسيطر على الفساد، وهي نداء يوجه للتعامل معها ولاتخاذ الإجراء بشأنها ويوجه هذا النداء الى الباحثين، والحكومات والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام والمواطنين.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف الأخلاقيات الطبية المهنية
Comentarios