إن الصحة هي حق إنساني عالمي وان الفساد يحرم كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية، وعليه جاءت هذه الورقة لتستعرض أشكال هذه الفساد بطريقة منهجية بهدف حماية هذا الحق، فقد عرف التقرير العالمي للفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية "الفساد" بأنه سوء استخدام السلطة والموقع العام بهدف تحقيق مكاسب خاصة، وأشار هذا التقرير إلى نهب الملايين من مخصصات الرعاية الصحية بفعل مظاهر الفساد المتفشية من السرقة والرشوة والابتزاز، وإلى أن العقاقير الطبية المزورة تحصد الآلاف من الأرواح في كل عام وُتسارع في انتشار الأمراض المقاومة للعقاقير، وإلى حرمان الملايين من البشر من العناية الطبية الأساسية وبالتالي تكون المعاناة الإنسانية هي المحصلة الحقيقية والثمن الباهظ نتيجة الفساد في القطاع الصحي، فالمال الذي يضيع بسبب الفساد يمكن استخدامه لشراء الادوية، وتجهيز المستشفيات ودعم الكادر الطبي الذي تحتاجه المنشآت الطبية. إن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية هو قضية عمومية جوهرية وهي هامة بحيث يمكن اعتبارها مسألة حياة أو موت خصوصا بالنسبة الى الملايين من البشر وخاصة الفقراء منهم الذين يقعون ضحايا مقدمي الرعاية الصحية عديمة الأخلاق والمبادئ.
إن أنظمة القطاع الصحي معقدة التركيب وغامضة لعامة الناس وهي بيئة خصبة للفساد، وعلى الرغم من أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يقومون بأداء مهامهم العلمية والعملية بجد ونزاهة وتكامل مهني، إلا أنه هناك مؤشرات وأدلة لانتشار الفساد في كافة أنواع القطاعات الصحية على شكل أنشطة تتصف بالتحايل والارتشاء في الخدمات الصحية على اتساعها وشمولها وتتراوح هذه ما بين السرقات الصغيرة والمحدودة وعمليات الابتزاز إلى الانحرافات الهائلة للسياسات والتمويل المالي وإلى رشاوي المسؤولين، وأشكال الفساد هذه تفشت وتصاعدت لتخترق كافة أشكال الرعاية الصحية للقطاع العام و القطاع الخاص إن كانت في شكل الرعاية الأولية أو الرعاية المتقدمة. انتشار الفساد هو انعكاس لثقافة سلبية منتشرة في البيئة التي يخدمها القطاع الصحي، فقد أظهرت الدراسات أن الفساد هو أقل انتشارا في المجتمعات التي تحترم القانون، وتتصف بالشفافية والثقة بالأخر، والتي يكون القطاع الصحي العام بها ملتزم بإدارة ناجعة بمرجعية إجراءات ونظم أخلاقية موثقة وآليات مسائلة معلنة وواضحة للجميع.
لماذا القطاع الصحي عرضة للفساد أكثر من غيره؟ إن عوامل المخاطرة التي تؤدي إلى الفساد في القطاعات المختلفة تؤثر على القطاع الصحي أيضا بالإضافة إلى عوامل خاصة به تجعله عرضة للفساد أكثر من غيره، فالقطاع الصحي يتصف بغموض مهني معقد لا يسمح بسهولة المراقبة وقياس أداء الخدمات والبرامج من خارج القطاع، كما وأن القطاع الصحي يتصف بالتشتت وعدم تماثل نظم المعلومات به ويتصف أيضا بحاجته لعدد كبير من المهن المختلفة والمتنوعة التي تخدم القطاع تتراوح ما بين صانعي القرار والمشرعين والإداريين والأطباء والتأمينات الصحية مما يفاقم الصعوبات والمشاكل في عملية تحليل المعلومات وفي عملية الترويج للشفافية واستكشاف منابع الفساد، بالإضافة لاعتماد القطاع الصحي على شركات القطاع الخاص لتوفير البنية التحتية وبناء الإنشاءات وتوفير العقاقير والمستلزمات الطبية والخدمات الاستشارية وكذلك هو عرضة للفساد لتضخم حجم ميزانيته من المال العام، ومما يزيد الأمر تعقيدا هو حقيقة الإخفاق في التمييز ما بين كون تردي اوضاع الخدمات الصحية في القطاع العام هي نتاج الفساد أو هي نتاج عدم توفير موارد كافية أو كونه نتيجة أخطاء مهنية ونقص بالكفاءة والتدريب، ويتعقد الوضع أكثر لصعوبة قياس هدر الموارد المالية الإجمالية للفساد في هذا القطاع، كما ويزدهر الفساد في القطاع الصحي بسبب عوامل خطورة من مثل الرواتب المتدنية للعاملين الصحيين بسبب خفض وتحديد الدولة الميزانيات الصحية وعدم تقدير ومكافئة الإنجازات الطبية المميزة، وغياب مراقبة تنفيذ الإجراءات والإخفاق بالأشراف على المقاييس المهنية وغياب عقاب المخالفين جزائيا وحقوقيا.
ما هي عواقب الفساد في القطاع الصحي؟ الفساد عمومًا يحرم المواطنين من سهولة النفاذ السهل للرعاية الصحية ومن الممكن أن يؤدي إلى تقديم علاج خطأ أو مميت وليس هناك مواطن محصن من أي يكون ضحية لهذا النوع من الفساد، إلا أن الفقراء أكثر تأثراً بفساد القطاع الصحي لأنهم أقل قدرة على التأقلم والاستجابة للبيئة الفاسدة وهم يعتمدون مباشرة على الخدمات شبه المجانية التي يقدمها القطاع العام المنهك بالفساد، وهم غير قادرين على إيجاد بديل ودفع مقابل خدمات صحية بالقطاع الخاص. على مستوى السياسات يؤدي الفساد في القطاع الصحي إلى تحويل وتوجيه الأموال إلى مشاريع محددة لمنفعة شخصية أو مالية بغض النظر عما إذا كانت تتناغم والسياسة الصحية على المستوى الوطني.
ما هي أشكال الفساد في القطاع الصحي؟
ترتكب أنشطة الفساد بالقطاع الصحي من قبل جهات عديدة ومتقاطعة تشمل صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي، والموظفين العموميين في التأمين الصحي، وأطباء القطاع الخاص والعام وشركات الأدوية والمستلزمات الطبية وشركات تقديم الخدمات الفندقية والمرضى أنفسهم وتتضمن أشكال الفساد المنتشرة في القطاع الصحي ما يلي:
فساد الأطباء في القطاع العام: يتقاضى الطبيب في القطاع العام راتب ثابت بغض النظر عن عدد الحالات التي يتعامل معها أو نوعية الخدمة التي يقدمها وهذا يشكل عامل خطر للتراخي في تقديم الخدمات بالشكل الجيد ويعتبر شكلا من أشكال الفساد. أشكال الفساد الأخرى التي قد يقوم بها الطبيب في القطاع العام هي بإساءة استخدام وظيفته العامة بتحويل المرضى إلى خدمات في القطاع الخاص لمنفعة شخصية أو مالية، أو استخدام الخدمات والمستلزمات الطبية في القطاع العام لمرضى القطاع الخاص، وقد يعمل أطباء القطاع العام في القطاع الخاص على الرغم من أن الأنظمة لا تسمح بذلك، على حساب مجهودهم الذي من المفترض أن يقدم للمرضى في القطاع العام، وقد يقوم الأطباء في القطاع العام بإساءة استخدام صرف العقاقير الطبية لمنفعة شخصية أو لمنفعة أصدقائهم أو أقاربهم أو بهدف إعادة بيعها لمنفعة مالية او بهدف استخدامها في القطاع الخاص، وشكل أخر من أشكال الفساد التي يقوم بها الطبيب في القطاع العام هو الحصول على منفعة شخصية أو مالية مقابل الخدمات التي يقدمها للمرضى والتي من المفترض أن تكون مجانية أو شبة مجانية. إن أنشطة الفساد هذه التي يقوم بها بعض الأطباء في القطاع العام غير قانونية وغير أخلاقية إلا أنه في كثير من دول العالم الثالث ينظر إليها على أنها أنشطة مقبولة اجتماعيا للتأقلم مع الرواتب المتدنية وبيئة العمل السيئة.
فساد الأطباء في القطاع الخاص: هناك فرصة للعاملين في القطاع الصحي الخاص لارتكاب أنشطة فساد بسبب تأثيرهم المباشر على القرارات الطبية بالتشخيص ووصف العقاقير الطبية، وفترة الإدخال للمستشفى، وطلب الفحوص المخبرية وتحويل المرضى لاستشارات أو خدمات إضافية وتحرير التقارير الطبية، فإذا لم تكن هذه القرارات في صالح المريض بمرجعية أخلاقيات المهن الصحية وإنما كانت بهدف الربح والكسب غير المشروع للطبيب فتشكل أنشطة فساد وهي للأسف منتشرة بكثرة في القطاع الخاص.
الدخل المالي غير المنظور للاطباء والمهنيين الصحيين الاخرين يأخذ أشكال عديدة منها إساءة صرف العقاقير والمستلزمات والمعدات الطبية لاستخدامها في عمليات إعادة البيع أو في الممارسة بالقطاع الخاص أو لاستخدامها من قبل الأصدقاء والأقارب بهدف منفعة العلاقات الشخصية، ولا يمكن النفي بأن يكون الدخل غير المنظور من الاختلاس والسرقة المباشرة من عوائد تقديم الخدمات للمواطنين بطرق تحايل عديدة، أو الحصول على دخل مالي أو منفعة شخصية مقابل تقديم خدمات يفترض أن تقدم مجانا، أو الحصول على هذه المنافع مقابل التحويل للقطاع الخاص أو مقابل تقديم علاجات معينة باهظة الثمن.
الفساد في المشتريات يأخذ أنماط مختلفة فقد يكون على شكل الموافقة على قيم مالية تتجاوز القيمة الحقيقية، أو على شكل الاخفاق في تعزيز وتشجيع المعايير التعاقدية القانونية بالنسبة لجودة العقاقير والمستلزمات والمنشآت، أو شراء خدمات فندقية وخدمات صيانة وتنظيف ثمنها باهظ لا يتناسب مع جودتها.
الفساد في آليات تحصيل المال العام، من مثل التراخي في إجراءات تحصيل الرسوم المقررة، أو عدم التحصيل المالي عن طريق علاج المرضى غير المؤمن عليهم صحياً باستخدام بطاقات أشخاص مشمولين بالتأمين الصحي، وصرف بطاقات تأمين صحي لأشخاص لا يستحقونها، وكذلك تقديم فواتير غير حقيقية للتأمين الصحي لعلاج المرضى في القطاع الخاص، وقد يصل هذا النوع من الفساد في بعض الأحيان إلى التزوير المباشر في سجلات وقيود الفواتير ودفاتر الإيصالات، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالانتفاع بتحويل مرضى المستشفيات العامة بصورة غير مناسبة ودواعي غير حقيقية للقطاع الخاص بهدف المنفعة المالية أو منفعة العلاقات الشخصية.
الفساد في سلسلة التعامل مع المستلزمات الطبية، ويشمل ذلك تحويل مسار أو سرقة المستلزمات الطبية عند نقاط معينة في نظام التوزيع، وقد تكون على شكل قبول مبالغ نقدية مقابل الموافقة واعتمادا منتجات محددة أو تسهيلات خاصة بإجراءات التخليص الجمركي أو بشأن وضع الأسعار وتحديدها، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالسماح باستخدام ووصف عقاقير ومستلزمات محددة دون غيرها مقابل مردود مالي للجان العطاءات أو للأطباء أو على شكل توفير أدوية دون المستوى الحقيقي أو ذات معايير مخالفة.
فساد صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي: هناك دور أساسي للحكومة بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين بتوفير الرقابة على الخدمات الصحية بما في ذلك سلامة العقاقير وفاعليتها وضمان أن المهنيين في القطاع الصحي حاصلين على شهادات معترف بها ويحملون تصاريح مزاولة المهن، وضمان رفد المنشآت الصحية المختلفة بالموظفين والمستلزمات. غياب الرقابة عادة ما يوفر الفرصة لأنشطة الفساد فعلى سبيل المثال شركات الأدوية تتدخل في نتائج الأبحاث العلمية حول فاعلية العقاقير الطبية أو تقدمها للجهة الرقابية بطريقة تغاير الواقع بهدف الحصول على الموافقة، وقد يحصل الفساد بالتغاضي عن مراقبة متطلبات مزاولة المهنة إن كان عن طريقة الرشاوي أو الحصول على منفعة شخصية للمسئولين.
الفساد المتعلق بالتأمين الصحي: على مستوى السياسات العامة يكون الفساد بالتأمين الصحي بمظهر عدم المساواة والعدالة من قبل الحكومة بعدم توفير الميزانية الكافية لصندوق تأمين صحي معين بهدف دعم صندوق آخر بدوافع سياسية لدعم المستفيدين من هذا الصندوق. قد يتعرض "التأمين الصحي" للفساد من قبل الآخرين خارج إدارته إن كانوا مرضى أو أطباء، لكن العاملين به قد يرتكبوا الفساد أيضا بالتحايل على الأنظمة وتوفير خدمات التأمين لأشخاص لا يستحقونه لأهداف سياسية أو بهدف منفعة شخصية لهم. وقد يرتكب الفساد في التأمين الصحي بقبول فواتير علاج غير حقيقية من القطاع الخاص، أو بمحاولة رفض أو تأخير فواتير علاج حقيقية بهدف الحصول على منفعة شخصية أو مالية من قبل القطاع الخاص، وقد يقوم الموظفين في التأمين الصحي بدفع رشاوي لآخرين بهدف التغاضي عن قيامهم بممارسات غير قانونية.
الفساد الذي يرتكبه المرضى: قد يقوم المرضى بادعاء الفقر للحصول على تأمين صحي مجاني، أو يقوموا بأنشطة فساد على شكل استخدام بطاقة تأمين صحي لأشخاص أخرين كالأصدقاء والأقارب، وقد يكون الفساد الذي يرتكبه المرضى بالشراكة مع الأطباء بغرض منفعة شخصية أو مالية للحصول على تقارير طبية مخالفة للوقع توفر لهم تجاوز القانون كالحصول على رخصة قيادة مركبة أو الإعفاء من الخدمة العسكرية، أو الحصول على مكاسب وإعفاءات مالية تقدم للمعاقين، أو بغرض منفعة شخصية أو مالية بتوفير النفاذ لخدمات صحية في قطاعات غير المنتفعين عادة بها.
فساد شركات الأدوية والمستلزمات الطبية: يكون الفساد بهذا المجال على شكل إعطاء معلومات غير صحيحة عن منتجاتهم الصحية ونوعية الأجهزة الطبية أو إعادة تغليف منتجاتهم بأسماء معروفة عالميا وتغير بلد المنشأ بهدف الحصول على ربح كبير، أو بتغير تاريخ انتهاء الصلاحية. قد يقوم المدراء بهذه الشركات بتقديم الرشاوي المباشرة وغير المباشرة للمسئولين عن العطاءات الصحية، وقد تمتد هذه الرشاوي لمشاريع بناء المنشآت الطبية الكبيرة.
التوصيات الخاصة بمكافحة الفساد في القطاع الصحي:
مواجهة الفساد في القطاع الصحي يتطلب التزام واسع النطاق باحترام القانون وتطبيق محتواه وتطبيق أنظمة الخدمة المدنية النافذة المفعول ووجود آليات للالتزام بالمسؤولية بمرجعية الأخلاقيات المهنية وأخلاقيات الموظف العام، ونجاح مكافحة الفساد في القطاع الصحي يتطلب أيضا توفر وسائل إعلام مستقلة ومجتمع مدني قوي.
ضمان شفافية المعلومات عن القطاع الصحي
من الواجب على الحكومة ووزارة الصحة إصدار معلومات حول الميزانيات المخصصة للصحة وحول أداء هذه الخدمات على المستويات الوطنية والمحلية، بوسائل الإعلام التقليدية والحديثة بحيث تخضع الإدارات الحكومية والمستشفيات وشركات وهيئات التأمين الصحي لعمليات تدقيق محاسبية مستقلة، كما ويتوقع من الحكومة والسلطات أن توفر معلومات حول عمليات العطاءات والمناقصات بما في ذلك إجراءات العروض والشروط وعمليات التقييم والقرارات النهائية المتعلقة بها.
يجب تطبيق أنظمة فعالة على الصعيد الوطني من أجل الإبلاغ عن التأثيرات المناوئة للعقاقير الطبية وتوفير حافز للأطباء للتبليغ عن هذه المعلومات، وتوفير قاعدة بيانات عامة تدرج فيها كافة نتائج الأبحاث المتعلقة بالعقاقير الطبية المستخدمة من قبل القطاع العام للتأكد من نجاعة الأدوية التي تقدم للمواطنين، بالإضافة للكشف عن كل دعم مالي تقدمه شركات الأدوية لأبحاث تتعلق بمنتجاتها.
ضمان تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام:
إن تطبيق أخلاقيات المهن الصحية ومدونة سلوك الموظف العام يتطلب جهدا يتجاوز التثقيف بها وتوفيرها لجميع العاملين، إلى عملية التدريب العملي المستمر على إجراءات تطبيقها في كافة قطاعات النظام الصحي على المستوى الوطني للأطباء والصيادلة والإداريين، ويجب أن تكون هذه المدونات مرجعا صريحا وواضحا للوقاية من الفساد وتناقض المصالح التي من الممكن أن تؤدي إلى الفساد وكذلك يجب أن تكون مرجعا للاستجابة لأنشطة الفساد بالعقوبات الواردة بها.
يجب على شركات الأدوية والأجهزة الطبية أن تتبنى مبادئ أخلاقية واضحة للأعمال التجارية تتعلق بمقاومة الرشوة تلتزم من خلاله الشركات تطبيق برنامج شامل مقاوم للفساد.
مشاركة وأشراف هيئات رقابية مستقلة:
يجب على السلطات الصحية توفير وتمهيد الطرق والسبل للإشراف العام من قبل هيئات مستقلة، والذي يحسّن من الأداء والشفافية، ومراقبة المشتريات واختيار الادوية.
السياسات الصحية العامة وماهية الخدمات الصحية والميزانيات الصحية يجب أن تكون منفتحة على عملية الفحص والتدقيق العام، حيث تكون كافة مراحل تشكيل الميزانية، التنفيذ وتقديم التقارير سهلة الوصول بالكامل لمؤسسات المجتمع المدني.
الحماية بواسطة إيجاد آليات للتبليغ عن الفساد:
يتوقع من الحكومة أن توفر آليات آمنة وقانونية للتبليغ عن الفساد للأفراد العاملين في هيئات وإدارات المشتريات والسلطات الصحية على مختلف مستوياتها، وكذلك للمهنيين مقدمي الخدمات الصحية وموردي العقاقير والمستلزمات الطبية.
كما يتوجب على شركات الادوية والمستحضرات الصيدلانية التعريف بآليات التبليغ من الفساد.
خفض محفزات الفساد:
ضمان استمرارية الرقابة الحازمة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والرقابة على الأمور المالية لضمان أن طبيعة هذه الخدمات يمليها حالة المريض السريرية وليس المنافع الشخصية أو المالية أو الربح غير المنظور.
يجب ان يدفع للأطباء، والممرضين والمهنيين الصحيين الآخرين اجرًا كريمًا ومقبولا، يتوافق ومستواهم التعليمي، مهاراتهم وتدريبهم.
قواعد لمنع تضارب المصالح:
على الحكومة تبني قواعد لمنع تضارب المصالح التي لا تجيز لأفراد أو جماعات ذات صلة أو مصلحة ومنفعة في مصانع المستلزمات الطبية والأدوية، من المشاركة في دراسات وتجارب الأدوية الإكلينيكية.
يتوجب على الحكومة ان تدفع باتجاه تبني مبادئ الشفافية في عمليات تنظيم الادوية، بما في ذلك خفض عملية الترويج المكثف للأدوية، ووضع قيود علمية على الأطباء فيما يتعلق بوصف الادوية ومراقبة اشد وأوثق على العلاقات بين الادارات الصحية وصناعات الادوية.
يتوجب على السلطات المختصة بالترخيص الصحي تحديد قواعد معينة وخاصة لسلوك الاطباء بخصوص العلاقات مع مصانع وشركات صناعة الادوية والأجهزة الطبية.
مواثيق ومعاهدات النزاهة وحظر الفساد:
تطبيق اتفاق ملزم من جانب كلا من المناقصين والحكومة بأن لا يعرضوا او يقبلوا رشاوي بالتعاقدات العامة على المشتريات الرئيسية في القطاع الصحي.
يجب على الحكومة حرمان ومنع وحظر الشركات التي يعرف أنها تنخرط في ممارسات الفساد من المشاركة في عمليات تقديم المناقصات ولفترات محددة او دائمة من الوقت.
عملية المقاضاة الصارمة:
من الضروري والمهم بالنسبة للسلطة القضائية التعامل بمرجعية أن أنشطة الفساد هي أفعال جرمية تتطلب إجراءات عقابية صارمة يفرضها قانون العقوبات بقوة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر يجب مقاضاة ومعاقبة منتجي الادوية المخالفة للمواصفات والمسئولين العامين الذين يتواطؤون ويتأمرون معهم.
يتوجب توفير الخبرات الضرورية والموارد المالية والاستقلالية لهيئات مكافحة الفساد بهدف الترويج لإجراءات الوقاية من الفساد في القطاع الصحي، ودعم العاملين بها للقيام بمهامهم واداء واجباتهم، وأن يتم تدعيمها بمحاكم مستقلة مختصة.
مجددا إن الصحة هي حق انساني عالمي وان الفساد يحرم كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية، ولا توجد طرق معالجة بسيطة للسيطرة على الفساد في القطاع الصحي، ولكن تعتبر التوصيات المشار إليها أعلاه عوامل لتوفير بيئة تمنع، او تعيق، أو تخفض وتتحكم في وتسيطر على الفساد، وهي نداء يوجه للتعامل معها ولاتخاذ الإجراء بشأنها ويوجه هذا النداء الى الباحثين، والحكومات والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام والمواطنين.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف الأخلاقيات الطبية المهنية
الفساد في القطاع الصحي انتهاك لحق الإنسان بالصحة والحياة
Comentários