قرارات حكومية فوضوية لعلاج مرض السرطان في بيئة خصبة للفساد
كان يتوجب على الحكومة قبل ان تتخذ قراراتها الأخيرة المتعلقة بعلاج مرض السرطان ان تتعامل مع مواجهة "سرطان الفساد" الناخر في جسد القطاع الصحي العام وفي قطاع المراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات الكبرى والقطاع الخاص، فهذه القرارات العشوائية للحكومة بغياب سياسة وطنية شاملة للقطاع الصحي وبشيوع الفساد في هذا القطاع، لم تشكل فقط عوامل خطورة على المريض بتأخير الاكتشاف المبكر وزيادة كلفة العلاج لاحقا وتفاقم المعاناة النفسية والجسدية والاجتماعية، بل امتدت لتتيح المزيد من الفساد وفرص الواسطة والمحسوبية وعدم المساواة ما بين المواطنين.
المتضرر المباشر والاهم من فساد القطاع الصحي في الأردن هو المريض، وجاءت القرارات الأخيرة لتعمل على استشراء الفساد وزيادة عواقبه على المريض وأسرته وعلى المجتمع وعلى الوطن بزيادة كلفة العلاج وانخفاض إنتاجية المواطن.
قد ترتكب أنشطة الفساد بالقطاع الصحي من قبل جهات عديدة ومتقاطعة تشمل:
فساد صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي، والموظفين العموميين في التأمين الصحي، والعاملين في المؤسسات المعنية بإعفاءات المرضى.
الفساد في القطاع الصحي العام.
الفساد في القطاع الطبي للمراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات الكبرى.
فساد مؤسسات القطاع الصحي الخاص.
فساد شركات الادوية والمستلزمات الطبية وشركات الخدمات المساندة وشركات مقاولات انشاء الأبنية الصحية.
فساد صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي، والموظفين العموميين في التأمين الصحي، والعاملين في مؤسسات إعفاءات المرضى:
على مستوى السياسات العامة يكون هذا الفساد بمظهر عدم المساواة والعدالة وذلك بعدم توفير الميزانية الكافية لصندوق تأمين صحي معين بهدف دعم صندوق آخر بدوافع سياسية تميز بين المواطنين. قد يتعرض "التأمين الصحي" للفساد بمبادرة من قبل الاخرين خارج إدارته إن كانوا مرضى أو أطباء، لكن العاملين به وبمؤسسات إعفاء المرضى قد يرتكبوا الفساد أيضا بالتحايل على الأنظمة وتوفير خدمات التأمين لأشخاص لا يستحقونه لأهداف سياسية أو بهدف ضغوط اجتماعية او عشائرية.
الفساد في القطاع الصحي العام: إساءة استخدام الوظيفة العامة تتيح للطبيب في القطاع العام تحويل المرضى لخدمات طبية متخصصة كمركز الحسين للسرطان أو المستشفيات الجامعية بإصدار تقارير طبية تجانب الواقع استجابة لواسطة او محسوبية من المسؤولين بما فيهم الوزراء والنواب والمدراء ووجهاء العشائر وقادة المجتمعات المحلية، ولا يوجد ما يشير الى ان اصدار مثل هذه التقارير ليس بهدف منفعة شخصية، وانكار هذا الواقع لا يكون الا كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب. تفسير هذا السلوك للطبيب في القطاع العام بأنه خدمة للمرضى الفقراء هو دفاع غير منطقي ويشكل شبة فساد بحد ذاته، لأن جميع المرضى لهم الحق بفرص متساوية لتلقي الخدمات الطبية بظروف طبية إدارية قانونية سليمة
الفساد في القطاع الطبي للمراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات الكبرى وفي القطاع الخاص: هناك فرصة للعاملين في هذه القطاعات لارتكاب أنشطة فساد بسبب تأثيرهم المباشر على القرارات الطبية بالتشخيص ووصف العقاقير الطبية، وفترة الإدخال للمستشفى، وطلب الفحوص المخبرية وتحويل المرضى لاستشارات أو خدمات إضافية وتحرير التقارير الطبية، وهناك الفساد في المشتريات الذي يأخذ إنماط مختلفة فقد يكون على شكل الموافقة على قيم مالية تتجاوز القيمة الحقيقي، والفساد في سلسلة التعامل مع المستلزمات الطبية، ويشمل ذلك تحويل مسار أو سرقة المستلزمات الطبية عند نقاط معينة في نظام التوزيع، وقد تكون على شكل قبول مبالغ نقدية مقابل الموافقة واعتمادا منتجات محددة أو تسهيلات خاصة بإجراءات التخليص الجمركي، او بشأن وضع الأسعار وتحديدها، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالسماح باستخدام ووصف عقاقير ومستلزمات محددة دون غيرها مقابل مردود مالي للجان العطاءات أو للأطباء أو على شكل توفير أدوية دون المستوى الحقيقي أو ذات معايير مخالفة، وقد يكون الفساد في هذه المؤسسات في قبول رشى او الحصول على منافع شخصية خلال تصميم أو إنشاء أو ترخيص أو صيانة أبنية المراكز الطبية والمستشقيات.
دور الحكومة بالتعامل مع سياسة القطاع الصحي ومواجهة شيوع الفساد به:
السياسات الصحية العامة والميزانيات الصحية الحكومية: من الواجب على الحكومة ووزارة الصحة إصدار معلومات حول الميزانيات المخصصة للصحة وحول أداء الخدمات الصحية على المستويات الوطنية والمحلية، بوسائل الأعلام التقليدية والحديثة بحيث تخضع وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية ومراكز العلاج المتخصصة، وشركات وهيئات التأمين الصحي والمؤسسات المناط بها إعفاء المرضى، لعمليات تدقيق محاسبية مستقلة، كما ويتوقع من الحكومة أن توفر معلومات بشفافية حول عمليات العطاءات والمناقصات بما في ذلك إجراءات العروض والشروط وعمليات التقييم والقرارات النهائية المتعلقة بها.
شركات الادوية والمستلزمات الطبية وشركات الخدمات المساندة وشركات مقاولات انشاء الأبنية: على الحكومة ان توفر البيئة التشريعية والتنفيذية التي تلزم هذه الشركات بإجراءات قانونية شفافة وان تتبنى هذه الشركات مبادئ أخلاقية واضحة ومعلنة للأعمال التجارية التي تقوم بها، بما في ذلك الامو التي تتعلق بمقاومة الرشوة والفساد إن كان مع القطاع الصحي العام او مع المراكز الطبية المتخصصة او المستشفيات الجامعية.
يتوقع من الحكومة أن توفر آليات آمنة وقانونية للتبليغ عن الفساد للأفراد العاملين في هيئات وإدارات المشتريات والقطاعات الصحية على مختلف مستوياتها في وزارة الصحة او المراكز والمستشفيات الكبرى، وكذلك للمهنيين مقدمي الخدمات الصحية وموردي العقاقير والمستلزمات الطبية.
جودة الرقابة الحكومية: على الحكومة ان تعمل على ضمان استمرارية الرقابة الحازمة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، وضمان ان المستشفيات المخصصة لعلاج الامراض الخطيرة من مثل السرطان قادرة على تنفيذ ذلك بجودة وبمرجعية البروتكولات العالمية وان تضمن الاعتراف العالمي لهذه المراكز.
على الحكومة أن تضمن تطبيق رقابة على الأمور المالية لكافة المؤسسات في كافة القطاعات الصحية، لضمان أن طبيعة هذه الخدمات تمليها حالة المريض السريرية وليس المنافع الشخصية أو المالية أو الربح غير المنظور.
على الحكومة تبني قواعد لمنع تضارب المصالح في تعيين مدراء المراكز المتخصصة والمستشفيات.
قبل اتخاذ قرار إعاقة او حجب خدمات علاج المرضى في مركز الحسين للسرطان، كان يتوقع من الحكومة ان تتحمل مسؤوليتها، بمرجعية داعي وجودها، من انفاذ سياسة صحية وطنية شاملة تضمن الحفاظ على حقوق الانسان الأردني بالحياة وبالصحة وبالعلاج، في بيئة خالية من سرطان الفساد والمحسوبية والتميز ما بين المواطنين.
الصحة هي حق انساني عالمي وان يحرم كثير من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية هو انتهاك صارخ لحقوق المواطن ويضع علامة استفهام كبرى على قدرة الحكومة وانجازها في توفير الامن الاجتماعي.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي الخبير في حقوق الإنسان والاخلاقيات الطبية
Comments